البنك الفرنسي المصري

179

ماهي ظروف تأسيس البنك الفرنسي المصري؟… وكيف إمتلكت مصر نصف برج إيفيل بفرنسا؟

الدين العام العثماني والمصري

شهدت ميزانية الدولة العثمانية أكبر اضطراباتها على مدى تاريخها، وذلك بسبب حرب القرم حينما عقدت الدولة العثمانية أول قرض مع الممولين الأوروبيين من أجل تمويل حربها، وفي الفترة ما بين 1854 و1879 قام العثمانيون بعقد 18 قرضا بلغت قيمتهم الإجمالية 245 مليون ليرة عثمانية بنسب فائدة فعلية تصل إلى 9% في غالب القروض وبدأ تراكم الديون ليصبح دينا يثقل كاهل الأمبراطورية العثمانية ومصر.

تفاقمت أزمة الدين العام العثماني مع زيادة الاقتراض خلال العقدين التاليين من القرض الأول، وبحلول عام 1875 اعلنت الحكومة العثمانية عن قرارها بوقف عن سداد فوائد ديونها بشكل جزئي ولم يستمر هذا الوضع طويلا حتى أعلنت الحكومة مع بداية السنة الجديدة في أبريل 1876 ايقافها سداد جميع فوائد ديونها الأجنبية مما يعني عمليا افلاس الدولة العثمانية.

قناة السويس

Canal-suez (Small)منح والي مصر الخديوي محمد سعيد باشا عام 1856 المهندس الفرنسي فرديناند دي لسبس الامتياز الثاني لحفر قناة السويس ونص الامتياز على منح دي ليسبس امتيازاً لحفر وتشغيل قناة بحرية تربط بين البحرين الأحمر والأبيض مدته 99 عاماً تبدأ من تاريخ فتح القناة للملاحة البحرية، وسرعان ما أسس فرديناند دي لسبس الشركة العالمية لقناة السويس البحرية برأسمال 200 مليون فرنك فرنسي موزعة على 400 ألف سهم قيمة السهم الواحد 500 فرنك، وطرحت أسهم الشركة في الأسواق الدولية في نوفمبر 1858، واكتتب الفرنسيون بنحو 207,111 سهم ما يعادل نصف الأسهم فيما اكتتب الخديوي بنحو 177,642 سهم وتوزعت باقي الأسهم المكتتبة في الأسواق الدولية.

في 25 أبريل 1859 دشن دي لسبس حفر القناة في عهد الخديوي سعيد، وانتهى العمل بها بعد عشر سنوات في عهد الخديوي إسماعيل الذي سافر إلى أوروبا في 17 مايو 1869 لدعوة الملوك والأمراء ورؤساء الحكومات ورجال السياسة والعلم والأدب والفن لحضور حفل افتتاح القناة الذي عزم أن يقيمه في 17 نوفمبر 1869.

قدرت تكلفة حفل الافتتاح لقناة السويس بمبلغ 2 مليون و 400 الف جنيها في ذلك الوقت بالإضافة اليتكلفة اعمال الحفرالذي استمر لعشرة سنوات، الامر الذي اثقل كاهل مصر بالديون واثر علي الدين العام المصري بشكل سلبي حتي ان مصر قد اضطرت  إلى بيع حصة مصر من أسهم القناة لبريطانيا بمبلغ 100 مليون فرنك في 25 نوفمبر 1875.

محاولات الإصلاح النقدي

في خضم الازمة المالية الطاحنة لكل من مصر والدولة العثمانية انبثقت عدة بنوك اوروبية لتجد لنفسها مكانا داخل اراضي الدولة العثمانية عن طريق الاكتتاب لشراء القروض والتفاوض عليها حيث بلغت العمولات والفوائد التي تم عرضها وقتها من 10 الي 12%  ونجح هذا السيناريو في ان يتمركز بشكل جيد في مصر لسداد ديون قناة السويس، وتم إحداث عهد جديد سمي ” بالسراب الشرقي” لتلك البنوك التي عملت في كل من لندن وباريس وانجلترا والنمسا.

ونشاء العديد من تلك البنوك مثل سوسيتيه جنرال و بنك باريبا، كريدية ليونيه، كريدية فونسيير، بنك مصر (Bank of Egypt) ، البنك النمساوي المصري، والبنك الفرنسي المصري وغيرها من البنوك الاوروبية.

وبدا ان الحل الوحيد لحل ازمة الدين هو الاستدانه مرة اخري بفائدة اكثر إرتفاعا ، كان الخديوي إسماعيل مقيداً بعدم الاقتراض طبقاً لشروط سلفة سنة 1868 ، ومن جهة أخرى فقد لفتت القروض وضخامتها أنظار الباب العالي ، فحاول وضع حد لها، فحظر علي الخديوي بمقتضى فرمان سنة 1869 أن يقترض إلا بإذنه.

تعرف على مزيد من المعلومات عن الخديوي توفيق وإصلاح العملة المصرية عام 1885

البنك الفرنسي المصري

Banque Franco-Egyptienne 2
عنوان البنك الفرنسي المصري

تم إنشاء البنك الفرنسي المصري في عام 1870 من قبل أحد أعضاء عائلة بيشوفشيم ، لويس رافاييل برأس مال قدرة 50,000,000 مليون فرنك فرنسي ، وذلك أساسًا لغرض تمويل الدين المصري ساهم الخديوي إسماعيل  في تمويل نصف رأس مال البنك 25,000,000 مليون فرنك وذلك عن طريق رهنه لأطيانه.

لم ير الخديوي إسماعيل بداً من أن يعقد قرضاً لحسابه الخاص ، فاستدان في أبريل سنة 1870 من البنك الفرنساوي المصري ما يبلغ 7,142,860  بفائدة 8.92% سميت لاحقا بقرض الدايرة السنية حيث إستدان الخديوي اسماعيل قرضا من البنك الفرنسي المصري بضمان أطيانه الخاصة، عدا الأطيان التي رهنها سابقاً، ولذلك سمى هذا قرض الدائرة السنية الثاني.

في عام 1875 تمت دعوة البنك في لجنة جدولة الديون المصرية ليصبح عضوا مساهما في عام 1879، وتم أعلان انتهاء وجود البنك في مصرعام 1889 وذلك بعد أعلان تأسيس البنك الأهلي المصري، وفي 17 مايو 1889 ، ساهم البنك الفرنسي المصري برأسماله في إنشاء بنك باريس الدولي.

اندمج بنك باريس الدولي، في عام 1901 مع بنك إفريقيا الجنوبية لتشكيل بنك استثماري برئاسة وزير المالية السابق موريس روفير ، ليصبح بذلك البنك الفرنسي للتجارة والصناعة ، تم دمج البنك في عام 1922 مع البنك الوطني للقروض ثم تحول لاحقا الي بنك بي ان بي باريبا BNP PARIBAS.

statuts-franco-egyptienne-994x1536 (Small) البنك الفرنسي المصري
مذكرة من البنك الفرنسي المصري

البنك الفرنسي المصري وبرج إيفيل

أنشأ برج إيفل بمناسبة المعرض الدولي لباريس 1889 EXPO والذي وافق الذكرى المئوية لاندلاع الثورة الفرنسيةCapture2 (Small) وبدأت أعمال إنشاء برج إيفيل في 26 يناير 1887، واستمرت لمدة 26 شهراً وفي عام 1888 ، قدرت تكلفة بناء برج إيفل بـ 6.5 مليون فرنك ، مع قدرة السلطات العامة فقط على تغطية 1.5 مليون فرنك من هذه التكلفة ومع الانتهاء من بناء الدور الاول اتصل جوستاف إيفل بالبنوك لجمع 5 ملايين فرنك إضافية لإكمال المشروع.

وفي ظل إحجام البنوك الوطنية الفرنسية توجه الي دعوة البنوك الخاصة لتميل بناء البرج ووجد جوستاف إيفيل في النهاية شريكًا متقبلًا في شخص إيرنيست ماي، مدير البنك الفرنسي المصري والتزم البنك بالمشروع من خلال توقيع مذكرة تفاهم في 26 يوليو 1888.

من أجل مشاركة مخاطر العملية والخسارة ، تحول إرنست ماي بعد ذلك إلى دعوة مؤسسات مصرفية أخرى: Crédit industriel et Commercial (CIC) و سوسيتيه جنرال ثم شكلت المؤسسات المصرفية الثلاث اتحادًا ووقعت العقد النهائي مع إيفل في 3 سبتمبر 1888وتولى البنك الفرنسي المصري قيادة العملية وافتتح رسمياً في 31 مارس 1889 وسمي برج 300 متر في الافتتاح.

واجه مشروع التمويل إنتقادات عديدة من الشعب الفرنسي والذي سخر من الفكرة بإعتبار ان اموال الفرنسيين سوف يتم ايداعها لاحقا في خزينة مصر وذلك بعد أن قامت المؤسسات المصرفية بقيادة البنك الفرنسي المصري بشراء نصف رأس مال الشركة التي تدير برج إيفيل (Société anonyme de la Tour Eiffel ) مقابل 2.5 مليون فرنك فرنسي.

 

البنك الفرنسي المصري
سخرية الصحف الفرنسية من قرار تمويل برج أيفيل من قبل البنك الفرنسي المصري

توكن البنك الفرنسي المصري

يعد أحد أندر الماركات ( التوكن) او العملات الرمزية لتلك الحقبة في مصر ، تم تصميم التوكن على هيئة مثمنة الأضلاع وكان مخصصا كمكافئة يمكن إستبدالها بالمال لأعضاء الجمعية العمومية.

image00063 (1) (Small)

الوجه

يحمل الوجه على الحواف اسم البنك الفرنسي المصري مكتوبا باللغة الفرنسية BANQUE FRANCO-EGYPTIENNE

وفي المتنصف كلمة Assemblées Generales مكتوبة على سطرين وتعني الجمعية العمومية

 

البنك الفرنسي المصري
وجه النسخة النحاسية من التوكن

الظهر

اما عن وجه التوكن فيحمل الحروف الأولي باللغة الفرنسية لكلمة BANQUE FRANCO-EGYPTIENNE (BFE)  وتمت كتابتها بشكل متشابك وزخرفي مميز.

كما يظهر علي الظهر توقيع المصمم STERN (الساعة السابعة) وفي الجهة المقابلة يظهر اسم مدينة الصنع باريس (الساعة الخامسة)

البنك الفرنسي المصري
ظهر النسخة النحاسية من توكن البنك الفرنسي المصري

المعدن، الوزن والقطر

ظهر من هذا التوكن النسخ التالية:

1- النحاس

التاريخ: بدون تاريخ (بعد عام 1880)

القطر: 36 ملم    الوزن: 18.19جم

الحافة: ناعمة

2- الفضة (حجم كبير)

التاريخ: بدون تاريخ (بعد عام 1880)
القطر: 39 ملم     الوزن 36 جم

الحافة: ناعمة

3- الفضة (حجم صغير)

التاريخ: بدون تاريخ (بعد عام 1880)
القطر: 36 ملم     الوزن 20.9 جم

الحافة: ناعمة

أعداد: د.مازن إبراهيم

شكر خاص: أ/ حاتم الجندي

المصادر:

  • عبد الرحمن الرافعي (عصر اسماعيل)
  • أحمد الحتة (تاريخ مصر الإقتصادي)
  • جمال حمدان (عبقرية مصر)
  • histoire.bnpparibas
  • ويكيبيديا

يمكنك مطالعة المزيد من  المواضيع المشابهة على المقتني العربي من خلال الرابط التالي:

نقود بورسعيد…التاريخ المجهول

Previous articleعملة مومياء توت عنخ آمون
Next articleاللولار …عملة العمايل
Mazen Mira
Devoted numismatist specializing in Arabic Numismatics, Experienced Territory Manager with a demonstrated history of working in the pharmaceuticals industry. Founder of the Arab Collector and acts as the magazine editorial-in-chief.