يوم خسر الجنية ٣٠٪؜ من قوته اثناء العهد الملكي!

16

احيانا كثيرة نقرأ معلومات عن قيمة الجنية المصري في العصور السابقة، منها ما هو دقيق وما هو غير ذلك، فنجد احدهم ينشر صورة لخمسة مليمات مشرشرة للملك فاروق ويطلق عليها “مليم احمر” مؤكدا ان هذا المليم كان يساوي ٨ دولارات امريكية دفعة واحدة! ونجد اغلب التعليقات تصب اللعنات علي الزمن الغدار وسوء الحال وقلة البركة!

واحيانا اخري نجد منشورا يؤكد ان الجنية المصري في العهد الملكي كان يساوي خمسة دولارات (وهي معلومة سليمة لكنها منقوصة) اذ لم يوضح لنا اي عهد ملكي يقصد؟ ايقصد فاروقا ام فؤادا ام لعلة اختلط علية الامر وكان يقصد حسينا ام عباسا ام توفيقا ام اسماعيلا! والسؤال الاخر الطبيعي الذي يتبعة هو: متي اذن خفض سعر الجنية؟ هل حدث ذلك في تمام منتصف ليلة ال٢٣ من يوليو عام ١٩٥٢ مثلا؟ ام عند اعلان الجمهورية يوم ١٨ يونيو ١٩٥٣ ام وقت اخر؟الحقيقة ان الجنية المصري خفضت قيمتة (او لنستخدم لفظة اكثر رقة ولنقل “عدلت”) عدة مرات علي مدار تاريخه، من اهمها ١٩ سبتمبر ١٩٤٩ يوم خفض ٣٠٪؜ مرة واحدة، وكان لها قصة:

الجنية المصري وقتها كان لايزال مربوطا بالجنية الاسترليني، لكن الاسترليني نفسة كان تحت ضغوط رهيبة؛اولا: الامبراطورية البريطانية بالرغم من انتصارها في الحرب العالمية الثانية، كانت واقعيا قد افلست بسبب تكاليف الحرب البشرية والمعنوية والمادية، ولولا القروض الامريكية لما تمكنت من الصمود امام هتلر وجيوشه، لكن هذة القروض الفلكية وفوائدها “قسمت وسط” بريطانيا – فيكفي ان نعلم انها لم تتمكن من تسديدها بالكامل حتي ٣١ ديسمبر ٢٠٠٦!!! الي جانب ديون الامبراطورية لمستعمراتها ثمنا للعتاد والدعم والاطعمة الخ، تلك الديون التي تكونت ثم تراكمت هي الاخري اثناء الحرب

ثانيا: العملات مثلها مثل اي سلعة في العالم، عليها عرض وطلب، ببساطة لو سعي العالم لامتلاك المنتجات الامريكية كالسيارات والراديوهات والثلاجات وعزف عن شراء المنتجات الانجليزية، لبدأت الحكومات المختلفة البحث عن الدولارات لشراء سلعا لشعوبهم وبيع الجنيهات الاسترلينية، بالطبع سيحاول بنك انجلترا شراء الجنيهات الانجليزية من الاسواق عن طريق بيع ما يملك من المعادن الثمينة كالذهب والفضة لكن هذا الوضع لم يكن ليستمر الي الابد.

ثالثا: الامبراطورية نفسها لم تعد كما كانت، اذ فقدت الهند وباكستان وسري لانكا وفلسطين وايرلندا الشمالية في العام السابق، اي مملكة لو فقدت اراضيها وممتلكاتها – تماما كالاشخاص – تعتبر فقدت جزءا من رأس مالها، بالتالي تنخفض قوتها الاقتصادية وينعكس هذا علي عملتها.

بسبب هذه الضغوطات كلها اضطرت الحكومة البريطانية لتخفيض قيمة الجنية الاسترليني بنسبة ٣٠٪؜ دفعة واحدة، وتبعها في هذا التخفيض عدة دول من بينها مصر وفلسطين واستراليا والهند وايرلندا ونيوزيلاندا.. ونشرت الحكومة المصرية البلاغ الرسمي التالي في سبتمبر ١٩٤٩:”تعلن وزارة المالية انه تقرر تعديل قيمة الجنية المصري بالنسبة للدولار وبالنسبة للذهب، واصبح سعرة الجديد بالنسبة للدولار هو ٢،٨٧١ دولارا بدلا من ٤،١٣٣ ووزنه الذهبي ٢،٥٥١٨٧ جراما من الذهب الخالص بدلا من ٣،٦٧٢٨٨ جراما، علي ان يسري العمل بالسعر الجديد ابتداء من الساعة الأولي من صباح يوم الاثنين ١٩ سبتمبر ١٩٤٩، هذا وقد قرر مجلس الوزراء تعطيل العمل في البنوك يوم الاثنين ١٩ سبتمبر ١٩٤٩ وتعطيل العمل في البورصات يومي الاثنين والثلاثاء ١٩ و ٢٠ سبتمبر سنة ١٩٤٩.”

المصادر: عدد الاهرام بتاريخ ١٨ سبتمبر ١٩٤٩ ومصادر اخري متنوعة عن تاريخ الامبراطورية البريطانية الاقتصادي.

محب رزق الله

Previous articleالجنيهات الذهبية تختفي!
Next articleپني من جزيرة فيچي