مستر تايني Mr. Tiny

13

من الجميل ان يري المرء لمسة وفاء تجاه احد الهواة والذي كانت له اليد العليا في تثقيف الكثير ممن حوله، اليوم نتذكر “مستر تايني” Mr. Tiny

اول وجة رأيته عند حضوري لمقر الجمعية الأمريكية للنميات للمرة الأولي منذ بضع اعوام كان وجة “دان تايني” او “مستر تايني” كما كان يحب ان ينادوه، رجل ضخم الجثة (بالمناسبة كلمة تايني بالانجليزية تعني: متناهي الصغر وهي اول دلالة علي مقدار مرح الرجل!) ذي ذقن كثيفة يرتدي اوفرول من قماش الجينز متناسب في ضخامته مع هيئته وقبعة صغيرة من نوع البولر علي رأسه.كان واقفا امام باب الخروج من مطار “كولورادو سبرينجز” وصاح عندما رأني “لابد انك واحد من هؤلاء المجانين المهتمين بالنميات! اركب وسأوصلك لمقر الجمعية” حتي اليوم لا اعرف كيف استنتج “تايني” انني من هواة العملات ولم اجرؤ انا علي سؤاله قط! وبدأ اثناء الرحلة يثرثر معي بحماس برئ جعلني ارتاح له، فعرفته انني قادم من استراليا وانني مصري واهوي جمع العملات العربية ورحب هو بي ترحيبا حارا مؤكدا لي انني سأستمتع جدا بالمؤتمر الصيفي للنميات وقد كان.

في صباح اليوم الثاني وجدت “تايني” بنفس هيئته وملابسه – والتي ادركت لاحقا انها علامته المسجلة، يقود سيارة بيضاء صغيرة من تلك التي نجدها عادة في ملاعب الجولف ويقل عددا من الناس للمطعم لتناول طعام الافطار، هتف بتحيتي كما لو كان قد صادف صديقا عزيزا وسألني لو كنت وجدت اقامتي مريحة ثم عرض ان يقلني للمطعم فاعتذرت له ان الموضوع “مش مستاهل” لكنه الح بشكل جعلني اشك ان للرجل اصولا مصرية صعيدية!

عرفت علي مدار الأيام التالية ان “تايني” كان دينامو المؤتمر الصيفي، يوم بداية الفعاليات يقود الاتوبيس الخاص بالجمعية مابين المطار والمقر في رحلات مكوكية ذهابا وعودة، كل يوم صباحا يقود السيارة الصغيرة ليقل الاعضاء الاكبر سنا للمطعم وقاعات الدراسة، كذلك كان استاذا لفن نحت العملات الهوبو ويدرس كورسا ممتعا جدا عن فن النحت هذا والذي انتشر في امريكا اثناء فترة الكساد الاقتصادي في الثلاثينيات، وفوق هذا كله كان متبرعا بالجهد والوقت والمال للكانتين حتي انهم كانوا يطلقون عليه ضاحكين لقب “كانتين تايني”!

بعد اسبوعين من الدورات المكثفة ادركت ان “تايني” لم يخدعني، فعلا استمتعت جدا بالمؤتمر ككل وفي حفلة السمر الأخيرة والتي تقام لجمع التبرعات لصالح الهواة الصغار، عرض جائزة كبري عبارة عن السماح للفائز بإرتداء اوفراوله الشهير طوال الحفلة – الأمر الذي اشاع اغتباطا ومرحا غير عادي بين جنبات القاعة والتهب المزاد حتي تمكن احدهم من الفوز بالاوفراول وتنازل عن شرف ارتدائه ليس لواحد وانما لاثنين من الهواة الطلبة!

في نهاية الدورة وانا اودع اصدقائي واساتذتي الجدد وجدت “تايني” مادا يده لي بحزمة من الكتب عن العملات الاسترالية، واكتشفت انه منذ اللحظة الأولي وهو يفتش عن شئ يهديه لي عند رحيلي، عبثا حاولت ان اقنعه ان “الشنطة مابتقفلش!” ابدا، الرجل لا يعرف معني كلمة لا! فقبلتها والحمد لله لم تسبب لي مشاكل في الوزن.

في الثامن والعشرين من شهر مارس ٢٠٢٠ جائنا الخبر المحزن، “دان تايني كروس” توفي مساء اليوم السابق عن عمر يناهز الستين عاما. نظرا لظروف فيروس الكورونا، اقامت له الجمعية حفل تأبين اليكتروني من خلال منصة زووم، حضرها بضع مئات، واكتشفنا جميعا ان شخصية “تايني” كانت شخصية فريدة؛ فهو صديق للكل لكن لدية قدرة عجيبة علي جعل الجميع يشعرون انهم اهم شخص في حياته…

وفي لفتتين كريمتين من الجمعية قررت اولا اطلاق اسم “تايني” بشكل رسمي ودائم علي الكانتين الذي كان يتولاه برعايته وثانيا اصدرت الجمعية ميداليتها الفضية لعام ٢٠٢٠ متناسبة تماما مع فرع الهواية الذي عشقة طوال حياته: الظهر عبارة عن صورة للبافلو الامريكي الشهير والذي ظهر علي ال٥ سنتات الامريكية مابين ١٩١٣-١٩٣٨ .. اما الوجة فكان نحتا يدويا لبروفيل “مستر تايني دان كروس”. وكنت محظوظا ان الجمعية ارسلت لي نسخة من الميدالية الجميلة والتي ستذكرني دوما بصديقي ذي الجسم الضخم والقلب الأضخم: “تايني”..

محب رزق الله

Previous articleمن النميات إلى التاريخ
Next articleتوشيح مجموعة من طوابع السلطة الفلسطينية