لم يصدق “روي” عيناه للحظات وبقي مشدوها فاغرا فاه وهو يتأمل سقف وحوائط المكتب الفاخر، الجنرال المتقاعد يبدو متعاونا وهادئا تماما في الخارج، ورفاقه “ميتشام” و “هيرب” يعيثون في البيت فسادا باحثين عن اي غنائم او تذكارات يمكنهم بيعها في نيويورك … تذكر فجأة انه ليس داخل متحف وعلية هو الآخر تفتيش الغرفة سريعا قبل ان يأتي الاخرون …
وجد قلما ذهبيا ومسدس الماني ممتاز من نوع “لوجر” … حصيلة معقولة وان كان قد مني نفسة بالحصول علي أشياء اثمن من منزل كهذا .. وكاد ان يخرج من الحجرة عندما لمح ذلك الصندوق الخشبي الملقي بإهمال علي منضدة جانبية، فتحه فوجد خنجرا ذهبيا دقيقا آية في الجمال و … عصا الماريشالية! للمرة الثانية لم يصدق عيناه الا انة افاق عندما سمع جلبة رفاقة، اختطف العصا وخبأها داخل سترتة ثم خرج سريعا لينضم اليهم.
استطاع الأمريكي اخفاء العصا بمهارة ولم يخبر احدا عنها قط .. هو ليس مثل ذلك الساذج “هيرب” الذي ذكر قصة القداحة الذهبية التي صادرها من جثة ضابط الجستابو وعرف الميجور بالموضوع وأمرة بتسليمها، كلا .. هذه العصا ستبقي سرا حتي يصل للولايات …
خريف ١٩٤٨
نيويورك
تأمل “هانز شولمان” العصا وامتزجت داخله احاسيس متناقضة … فمن ناحية هي تمثل كل ما هو عنصري وكاره لجنسه ودينه بل ان صاحبها مجرم حرب بانتظار دورة في محاكمات “نورمبرج” ومن ناحية اخري ستدر عليه ربحا وفيرا عندما يبيعها للملك فاروق … الملك معجب جدا بكل ما هو ألماني، اسلحة، متعلقات شخصية، تحف …
وهذه القطعة لها علاقة وثيقة بكل هذا، لم يكن من السهل الحصول عليها من مزاد دار “سبينكس” .. المنافسة كانت شرسة كما توقع، العالم المجنون تناسي جرائم النازي فجأة وأصبح مفتونا بكل متعلقاته، الآن دعك من كل جو المشاعر هذا الذي لا يليق به – القطعة تمثل مكسب لا بأس به إطلاقًا وهو بيزنس مان. انتهي الأمر وعليه ان يستعد للسفر للقاهرة باكرا لتسليمها ليد الملك بنفسه.
صيف ١٩٥٢
ميناء الإسكندرية
تطلع من وراء نظارته الشمسية لمنظر الرصيف البحري والقصر من ورائه، اخيرا اصبح بمفردة لأول مرة منذ ٤ أيام بعدما اطمأن لسلامة أسرته خصوصا الأمير الصغير .. يقصد الملك! نعم نعم عليه ان يتذكر هذا الآن .. لا يريد ان يتذكر الماضي وما فيه، بل يجب عليه الآن التطلع للمستقبل .. كلام جميل نظريا لكن لماذا لا يستطيع ان يشيح بنظرة عن القصر والذي بدا صغيرا الآن؟
ورغما عنه بدأ يسترجع شريط حياته، كيف عاد لوطنه بعد رحيل والدة والاستقبال الحافل الذي ناله في نفس هذا المكان، كيف احتفلت الأمة بزواجه، مقاومته للإنجليز والأسرائيليون علي حد سواء وكيف كان جيشة قاب قوسين أو ادني من تحقيق النصر لولا قرار وقف إطلاق النار … خصوصا بعدما استعان بجنرالات من الجيش الألماني كمستشارين عسكريين … نعم هؤلاء القوم عظماء حقا – كان يؤمن دائما انه بالإمكان الحكم علي رقي أي شعب من خلال إصداراته الفنية كالطوابع والعملات والمقتنيات عموما، ولسبب ما بدأ يعدد ما “كان” يمتلك من التحف الألمانية – كان عقلة الباطن دائما يلجأ لهذة الحيلة عندما تشتد علية ضغوط العمل: ان يلوذ بفكرة لمجموعاته القيمة ويتناسى المشاكل، وتذكر من ضمن ما تذكر تلك العصا الماريشالية –
وهي بحق من اروع ما رأي، اجمل كثيرا من تلك التي اهداها له البريطانيون عندما اعطوه رتبه شرفية في الجيش الإنجليزي! عصا “فون براوشيتش” مهمة للتاريخ الألماني ومما لا شك فيه ان الألمان سيطالبون بها يوما … ربما تمكنا .. اقصد “تمكنوا” من مقايضتها هي وأخريات برأس الملكة نفرتيتي. تضرع الي الله ان يوفق اللواء نجيب في مهمته وان يحميه من رفاقه ومن الشيوعيين وان يصل هو الي كابري سالما … ادرك فجأة ان الإسكندرية تلاشت أمام عينيه ولم يعرف هل هذا بسبب سرعة “المحروسة” أم لأن عيناه مغروقتان بالدموع؟
نهاية الفصل الثالث
محب رزق الله
يمكنك متابعة الفصل الأول والثاني من المقال من الروابط التالية: