هل يوجد إصدار مصري للنصف مليم لعام 1916؟
تمر علينا المعلومات أحيانا فى علم المسكوكات مرورا سريعا واحد تلك المعلومات هى صدور نصف مليم للسلطنة المصرية لعام 1916، ولكن ترى ماحقيقة هذا الاصدار البرونزي؟
دعونا نسافر بالزمن والمكان وتحديدا الى الهند عام 1916، حيث دور السك المعنية فى كلا من مدينتي بومباي وكلكتا فى اوج نشاطها خلال العام وجميع العاملين يقفون على قدم وساق للانتهاء من سك العملات المنوط إصدارها للسلطنة المصرية وقبل ان نسرد التفاصيل دعونا نوضح احد الحقائق عن دور السك فى ذلك الوقت وخصوصا التابعة لدار السك الملكية البريطانية والتى سيترتب عليها السرد الا وهي ان دور السك تعمل بنظام السنة المالية وليست السنه المدنية. اي مابين 1 يوليو الى 30 يونيو وبالتالى عمليات السك يتم ربطها بميزانية الدولة والتي يتم اعتمادها فى السنة المالية السابقة للسك.
دعونا نعود ادراجنا الى الهند، في يوليو عام 1916 كانت الحرب العالمية الاولي فى اوج الاحتدام بين المتصارعين وكانت الحكومة الهندية قد اعتمدت الميزانية الخاصة بدور السك الخاصة بها وكان احد تلك المبالغ مخصص لعملية سك النقد المعدني السلطاني المصري الجديد ووقع الإختيار على دار سك كلكتا تحديدا لسك البرونز المصري من فئة النصف مليم ولكن لم تكن العملات المصرية وحدها مدرجة على قائمة دار السك ولم تكن لها الأولوية فى ذلك الوقت.
في تلك الاثناء كانت الأسواق الهندية هي اكبر مستهلك للنقود البرونزية داخل حدود الإمبراطورية البريطانية وكانت الأولوية الكبرى لها فى سك تلك المسكوكات من معدن البرونز، وطبقا لتقارير دار السك فى كلكتا تم عمل قائمة لأولويات السك وبالفعل بدأت دار كلكتا بسك اكثر من 29 مليون قطعة من ثلاث فئات برونزية مختلفة للهند وفي المركز الثاني على قائمة الاولويات كانت استراليا حيث تم سك أكثر من 8 مليون قطعة من فئات البيني والنصف بيني ، يليها مصر فى المركز الثالث ب 4 مليون قطعة ثم اخيرا مسكوكات مستعمرات المضيق او كما كانت تعرف ب Straits Settelments والتي تم لاحقا سكها من سبيكة نحاسية مختلفة.

ولكن لماذا تم وضع العملات المصرية فى اسف القائمة؟ الحقيقة انه بالاضافة لقائمة الأولويات والأحتياج التي وضعتها الحكومة الهندية كان هناك أسباب اخرى، اهمها ان السلطنة المصرية على الرغم من مفاوضاتها مع الحكومة المصرية منذ شهر فبراير 1916 الا ان امر التشغيل الخاص بعملات البرونز لم يصدر سوى بعد صدور قانون 25 فى اكتوبر عام 1916 بنظام النقود فى مصر وفى هذا التوقيت كانت دار سك كلكتا قد بدأت فعليا بسك عملات كلا من الهند وأستراليا. أضف الى ذلك ان دار سك كلكتا كانت منوطة بعمل جزء الميداليات والأنواط والنياشين لجزء من جنود الامبراطورية الانجليزية المشاركين فى الحرب العالمية الأولى المحتدمة.
وجدير بالذكر ان فى تلك الفترة تم عمل شارة جديدة للخدمة العسكرية العامة بإسم الملك جورج الخامس للاستخدام فى الحرب ولوضعها على الملابس العسكرية للجنود ، الامر الذي وضع دار السك فى كلكتا تحت ضغط وقد يتسال البعض لماذا لم يتم إستخدام دار السك فى بومباي والاجابة بكل بساطة انهم كانوا على التزام بسك العملات الذهبية والفضية والنيكلية للسلطان حسين كامل وكانت تواجههم صعوبات اخرى سوف نقوم بسردها فى موضوع منفصل. وعلى الجانب الاخر كانت الهند هي الخيار الاكثر أمانا لسك عملات الحكومة المصرية وقتها نظرا لخطورة ارسال النقود من بريطانيا فى وقت الحرب وخوفا على فقدانها كما حدث فى حادثة السفينة برشيا والذي ذكرناه فى موضوع شحنة النقود المعدنية التى فقدتها مصر فى الحرب العالمية الاولى.
على الجانب الاخر ذكرت دار سك كلكتا فى تقريرها لتلك السنة المالية انه أثناء تحضير قوالب السك للعملات المصرية فى عام 1916 فى ورشة نقش القوالب الخاصة بدور السك أصيب النحات والمصمم الوحيد الذى لديه اصول اوروبية بوعكة صحية اضطر على اثرها ان يحصل على اجازة مرضية طويلة مما اثر على سير العمل على العملات المصرية وأكتمل بشكل غير مريح. وابلغ قسم نقش القوالب الحكومة الهندية بضرورة تعيين موظف جديد بالقسم من أصول اوروبية اما فى كلكتا او بومباي وباسرع وقت كما ذكر فى مراسلات الهند للحكومة المصرية ان احد الموظفين الاوروبيون الاخرين تم ارسالة للحرب فى فرنسا.

وبناء على كل الاحداث التي جرت لم يتم سك نصف مليم السلطان حسين سوي فى عام 1917 بعد ان تم سك عملات كلا من الهند واستراليا وبعد تعيين موظف جديد فى قسم القوالب للاشراف على قوالب السك المصرية وقد اكدت الحكومة الهندية فى تقريرها المالي الذي تم نشره لهذا العام ان العملات المصرية المصنوعة من الفضة والتي تم سكها مابين يوليو 1916 و 31 مارس 1917 هي من فئات 20 قرش، 10 قروش، 5 قروش وقرشان بمجموع 18,370,112 قطعه. ذلك ان العملات الفضية المصرية فى ذلك التوقيت كانت لها الاولية لدى الحكزمة المصرية نتيجة لظروف الحرب واكتنازها فى الاسواق المصرية.

اما عن القطع النيكل التي تم سكها لنفس الفترة كانت من فئات 10 و 5 و 2 و 1 مليم بإجمالي عدد قطع 11,702,143 قطعة

لم يتم ذكر العملات البرونزية للسطنة المصرية انه تم سكها عن نفس الفترة وبالتالي يتأكد لدينا انه لم يسك بهذا التاريخ ، بل مايؤكد صحة هذه المعلومة هو ارفاق دار السك الهندية صورة من القطع السبيسيمين للعملات التي تم اصدارها للحكومة المصرية عن تلك السنة المالية وفى تلك الصورة تم عرض نصف مليم 1917 فقط! جدير بالذكر ان صورة الطقم السبيسيمين والذي عرض على السلطان حسين كامل وقتها كما قام الزميل محب رزق الله بعرضة فى العدد الرابع من المقتني العربي أيضا يحتوي على النصف مليم لإصدار عام 1917.
اذن لماذا نري اشاعات عن صدور هذه القطعة بهذا التاريخ؟
الحقيقة ان انتشار تصميم عن نصف مليم 1916 فى كتاب النقود للسيد حسين عبدالرحمن والذي صدر فى الفترة الملكية المصرية هو اكثر من دعم هذه النظرية ولقد ذكر السيد عبدالرحمن انه ضربت نقود البرونز فى دار سك بومباي فى الهند بإسم السلطان حسين كامل وتم عرض صورة للتصميم الخاص بالنصف مليم لعام 1916.
ولكن دعونا نوضح ان جزء من المعلومات وقت كتابتها فى الكتاب لم معلن عنها فعملات البرونز لحسين كامل تم سكها فى كلكتا وليست بومباي ولكن المعروض فى الكتاب هو فقط تصميم مقترح لصورة القطعة والتي لم تصدر وكلمة شكل العملة التى ذكرها هى فقط للتصميم، واذا ماتابعت العدد الرابع من المقتني العربي سوف تلاحظ تشابة تصمييم النصف مليم مع التصميمات التى ارفقت فى العدد ولكن لم يصلنا فى المقتني العربي صورة اصلية من الارشيف البريطاني للنصف مليم السلطاني.

ولكن لذكر جميع جوانب الحقيقة لايجب ان نغفل ان الحكومة المصرية كانت بالفعل قد قررت ان يتم سك قطع من فئة النصف مليم لعام 1916 وبالتالى لم يكن ان يصل لدينا التصميم المرفق فى كتاب السيد حسين، بل ان ماكان يثير الشكوك وقتها انه فى مارس عام 1916 واثناء مفاوضات ومراسلات الحكومة المصرية مع الحكومة الهندية كان من المقترح سك نصف المليم بهذا لهذا العام وبكمية سك تعادل ال 2 مليون قطعة فقط! حيث أوصت الحكومة المصرية بسك ماقيمته الف جنيه مصري من العملات البرونز نظرا لعدم احتياج الاسواق لها فى ذلك التوقيت وتوافر القطع البرونزية الاخري فى الاسواق والتي كانت تقبل فى خزائن الدولة.

وهذا هو التفسير الوحيد لذكر التصميم فى كتاب النقود على اساس توجهات الحكومة المصرية وقتها ولكن سرعان ماتغير هذا الاتجاه بعد التأخير الذي حدث فى عملية السك وبعد ان استمرت الماوضات لمدة تصل الى 8 شهور بين الحكومتين وبعد صعوبات نقل التصميمات الى الهند عن طريق الجيش لتقوم مصر بمضاعفة اصدار النصف مليم الى 4 مليون قطعة بعد تغير عيار البرونز بقرار من وزير المالية يوسف وهبة وبناء على المرسوم السلطاني رقم 25 الصادر فى اكتوبر 1916.
وجل ماسبق هو محاولة لاثبات انه لم يتم إصدار نصف مليم لعام 1916 وانها مجرد اشاعة تناولها الاشخاص وتم تناقلها عبر الاجيال ولكن فى الحقيقة انه ليس له وجود من الاساس.

المراجع:
جريدة الأهرام من مارس 1916 حتى مارس 1917 | الارشيف الوطني البريطاني |
ارشيف دار السك فى بومباي وكلكتا | مراسم وتشريعات النقد (مكتبة المقتني العربي) |
مراسلات الحكومة المصرية والهندية | التقرير النقدي للحكومة الهندية |
د/مازن ابراهيم