*الطوابع البريدية*
في عام ١٩٤٩ احتفلت مصلحة البريد المصرية باقامة المعرض الزراعي الصناعي ال١٦ من خلال اصدار ٥ طوابع تذكارية وبطاقتين كتذكار، الطوابع الاربع الأولي حملت نموذجا لتمثال النيل وهو تمثال ضخم بديع وجد بمعبد الالهتين المصريتين “ايزيس” و “سيرابيس” الكائن بروما (نعم، كان هناك رومان يعبدون الهه مصرية حتي بعد سقوط مصر في ايديهم!) – التمثال يصور كهل يرمز للنيل ويحمل “قرن الوفرة” بيدة اليسري واعواد القمح باليمني، متكئا علي “ابي الهول” – بمعني ان النيل يعتمد علي مصر لا العكس – وحوله ١٦ طفلا يمثلون ال١٦ ذراع التي يرتفع بمقدارها النيل كل عام اثناء فيضانه، ويخيل للكاتب ان اختيار هذا التمثال تحديدا رمزا لمعرض ١٩٤٩ جاء اشارة الي انه المعرض رقم ١٦ بين اقرانه. يوجد نموذج مصغر للتمثال في المتحف الزراعي المصري وكانت نفس الصورة تحتل ظهر ورقة الخمسة جنيهات المصرية في عهد الملك فاروق. اما الطابع الاخير فئه ٣٠ مليما فكان تصميمه عبارة عن صورة لامراة ريفية مرسومة بالشكل الفرعوني، تحمل سنابل القمح بأيديها ومعها فلاح حاملا فأسه ويحمي كلاهما جندي مصري متأهب بسلاحه وورائهم جميعا خيال المصانع دلالة علي استمرار تقدم مصر بالرغم من ظروف حرب فلسطين. كذلك فقد قررت مصلحة البريد اقامة مكتب بريد مؤقت علي ارض المعرض لبيع الطوابع التذكارية وختمها بخاتم اول يوم للزوار.
*تاريخ المعارض في مصر*
في عام ١٨٩٨ اقيم اول معرض زراعي بالجزيرة (وكانت ارض خلاء وقتئذ اما اليوم فهي مقر لدار الاوبرا المصرية ومتحف الفن الحديث) بالقرب من العاصمة وكان يمكن الوصول اليه من خلال جسر “قصر النيل”، ونجح المعرض نجاحا باهرا فأصبح معرضا – شبة – دوري. وكانت المعارض الاولي حتي عام ١٩٠٧ مقصورة علي عرض المنتجات والالات الزراعية ثم اضيفت لها الصناعة بجميع انواعها لاحقا. وكان الهدف الذي سعت له الجمعية الزراعية الملكية من اقامة هذه المعارض هو تقديم صورة سليمة عن نهضة البلاد وتوجية انظار الزراع والصناع الي ما يمكن ان تجلبه الزراعة والصناعة النموذجية من خير للوطن. فالي جانب عرض افضل الحبوب واحسن انواع الصناعات هيأت الفرصة للتنافس والتسابق الشريف فتفوز مصر من ذلك بتنمية ايراداتها ومسايرة التقدم العالمي باقدام ثابتة. واهتمت كبريات المؤسسات الوطنية المصرية بالمعرض كشركات عبود للنقل وشركات فرغلي للقطن ومجموعة شركات بنك مصر الخ وكانت ادارة المعرض والحكومات المتعاقبة لا تدخر وسعا في اظهاره بأرقي صورة فكانت تقيم المباني الجديدة لتحفيز الزوار علي العودة مجددا مع كل اصدار.
*معرض ١٩٤٩*
معرض عام ١٩٤٩ كان حدثا جللًا في الشرق كله، اذ انه كان اول معرض مصري يقام منذ ١٣ عام، ففي عام ١٩٣٦ كان قد استقر رأي اللجنة علي اقامته مرة كل ٥ اعوام ليظهر علي اكمل وجة، لكن ظروف نشوب الحرب العالمية الثانية وصعوبة الاستيراد والتصدير وقلة الخامات ادت لتأجيله الي ما بعد الحرب، واذ بدأ الاقتصاد العالمي في التعافي بعد ١٩٤٧ دخلت مصر في حرب فلسطين ثم انتشر بها وباء الكوليرا، حتي اذا ما جاء عام ١٩٤٩ استطاعت الدولة اخيرا اقامة المعرض الذي اعتبر انجح معارضها علي الاطلاق وكان شعاره: “هذه هي مصر!”اقيم المعرض علي مساحة ٦٠ فدانا وزاره حوالي مليون ونصف انسان (وهو رقم ضخم اذا ما اخذنا في الاعتبار ان تعداد الشعب المصري كلة كان اقل قليلا من ١٨ مليون نسمة اي ان عشر سكان القطر زاروه!) وتكلف حوالي ٢٠٠ الف جنية والي جانب سرايا المعروضات هيأ المعرض نشاطات ترفيهية من عروض واستراحات في مختلف الاندية المقامة به الي جانب اقامة مدينة ملاهي كاملة علي الناحية اليسري منه وعرضت به الالعاب النارية مساء و طعم بالمطاعم الفاخرة ودار سينما تعرض افلام صورا متحركة للاطفال الي جانب عروض الاكروبات من سيركي الحلو وعاكف الوطنيان، كذلك امتاز معرض ١٩٤٩ بالسماح للاقطار العربية الشقيقة بالاشتراك فية بمعروضاتها المختلفة توثيقا لاواصر الصداقة بين مصر والدول العربية.
*شارع وادي النيل*
ومن اهم المستحدثات كان شارع “وادي النيل” ومثل فيه الوادي ابتداء من الاسكندرية (علي هيئه فنار بحري) وبورسعيد شمالا، حتي يصل الي السودان جنوبا (وكان مبني جناح السودان اكبرها علي الاطلاق)، حتي ان مجلة “المصور” افردت له مقالا بعنوان “من الاسكندرية الي السودان في ٤١٥ مترا!” واقيمت نماذج لكل اقاليم وادي النيل بحسب طبيعتها وترتيبها الجغرافي تظهر فيه فخر معروضاته ومنتجاته التي تميزه في الوادي السعيد. فنجد مثلا مبني مديرية الغربية علي هيئة مصنع رمزا لصناعة الغزل والنسيج المتطورة في عاصمته: المحلة الكبري، ونجد مبني مديرية السويس علي شكل مصنع لتكرير البترول – وكانت السويس رائدة في الصناعات البترولية، وبينما نجد مباني مديريات الفيوم والمنيا تعكس فلكلور تلك البلدان من ساقية ودوار شامخ. وكان الهدف من شارع “وادي النيل” ان يتعرف المصري – صغيرا كان او كبيرا – علي سائر المدن والاقاليم المصرية واسهاماتها في الاقتصاد القومي.وتنوعت مباني المعرض في اشكالها، فمثلا سراي الشرق بنيت خصيصا لمعرض ١٩٤٩ علي الطراز المصري المملوكي بينما اقيمت مبان اخري علي الطراز المصري الفرعوني ومجموعة اخيرة بنيت علي الطراز المصري الحديث لكن اهم ما كان يميزها جميعا هو مصريتها الخالصه.
*اغرب مواقف المعرض*
ومن اعجب احداث المعرض ان رجلا اقتحم خيمة عرافة عجوز بنية قتلها برصاص مسدسه اذ كان قد زارها في اليوم السابق واعلمته هي بأن زوجته تخونه ووصفت له بدقة المكان الذي تخبئ فية رسائل الغرام من عشاقها فلما تأكد الملكوم من الفضيحة عاد للمعرض لقتل العرافة التي ازالت الغشاوة من علي عينية الا ان باقي الزوار تمكنوا من السيطرة علي الرجل حتي جاء البوليس والقي القبض عليه!
*خاتمة*
قصص معرض ١٩٤٩ لا حصر لها وربما نتناول بعض منها في منشورات لاحقة فيكفي ان نذكر انه بعد نجاح المعرض بحثت الحكومة المصرية مع نظيرتها الالمانية فكرة نقل معرض مدينة “ليبزيج” الدولي لمصر اذ كان قد توقف منذ هزيمة المانيا في الحرب العالمية!لكن علي كل حال فمن حسن حظنا ان الطوابع التذكارية التي تؤرخ هذا الحدث الهام في التاريخ الوطني الحديث تعتبر من الطوابع المصرية الرخيصة اذ لا يزيد سعرها عن جنيهات قليلة وهو سعر متواضع جدا خصوصا نظرا لغزارة المعلومات التاريخية المتعلقه به.
محب رزق اللهالمصادر: –
عدد خاص: “المصري” المعرض الزراعي الصناعي ال١٦- ملحق: “الاهرام” بمناسبة المعرض الزراعي الصناعي ١٩٤٩- المصور ٢٥ فبراير ١٩٤٩،
عدد خاص عن المعرض الزراعي الصناعي- L’Orient Philatelique Vol VI No.66 Avril 1949