HistoricalNumismaticsRoman Coins
جالبا: الجنرال الصارم الذي تحدّى الأقدار وسُكّت له عملات النيل
في عام 68 ميلادي، كانت الإمبراطورية الرومانية تغلي تحت نيرون، الذي صار مكروهًا في أرجاء الدولة. وفي قلب إسبانيا، وقف جالبا، الجنرال العجوز ذو الوجه المتجهم، يراقب انهيار روما ببرود استراتيجي. لم يكن شابًا طموحًا، بل محاربًا مجرّبًا، خدم في كل زاوية من زوايا الإمبراطورية، من ألمانيا إلى إفريقيا.
حين انتحر نيرون، فتح الطريق أمام عام الأباطرة الأربعة (69 م)، وكان جالبا أولهم. رغم أن حكمه دام سبعة أشهر فقط، فقد ترك بصمته، خصوصًا في العملات التي سكّت باسمه في الإسكندرية، عاصمة مصر الرومانية.
عملات جالبا في الإسكندرية، بين النيل والعرش
الإسكندرية، التي كانت من أهم مراكز سك العملات في الشرق، أصدرت له تتراتراخما فضية و فئات برونزية اقل قيمة تحمل نقوشًا يونانية. أبرز ما يميّز هذه العملات:
• الوجه الأمامي يظهر رأس جالبا العاري، بعينين غائرتين وأنف بارز، مجسدًا بدقة ملامحه القوية.
• الوجه الخلفي كثيرًا ما يصوّر آلهة مصر القديمة، ك إيزيس و نيلوس و سرابيس و حتي أوزوريس المتمثل في الجرار الكانوبية ! .
• النقوش كانت تُكتب باليونانية، مما يعكس الطابع الهيلينستي العميق لمصر حتى تحت الحكم الروماني.
قيصر العاصفة القصيرة
رغم أن جالبا حكم أقل من عام، فإن فترته القصيرة كانت مليئة بالقرارات الحاسمة، بعضها مصيري:
• رفضه دفع الرشوة للحرس البريتوري، التي وعدهم بها للوصول إلى العرش، أثار غضبهم العميق. كانت هذه الخطوة سببًا مباشرًا في نهايته، إذ كان الحرس في ذلك الزمن هو من يقرر مصير الأباطرة.
• كان جالبا مؤمنًا بأن الإمبراطورية يجب أن تُدار بالقانون والصرامة، وليس بالهدايا والمحاباة، وهو ما لم يناسب واقع روما السياسي المضطرب.
حقائق مذهلة عن جالبا
1- كان في السبعين من عمره حين أصبح إمبراطورًا، وهو ما جعله من بين أكبر الأباطرة سنًا عند تولّي العرش ، و قد كان جالبا بالغ الثراء، لكنه اشتهر بالبخل الشديد، حتى قيل إن بخله ساهم في اغتياله!
2- كان يؤمن بالتقشف والانضباط العسكري، مما جعله محبوبًا لدى الفيلق، لكن مكروهًا من الحاشية الرومانية.
3- وصفه المؤرخ سويتونيوس بأنه “كان صالحًا للإمبراطورية، لو لم يصبح إمبراطورًا.”
4- تبنّى شابًا يُدعى “بيسو” كخليفة له، ضامنًا انتقال الحكم بطريقة شرعية وسلمية، لكن ذلك القرار استُقبل بالغضب من أوتو، الطامح في الحكم، والذي نظّم المؤامرة لقتل جالبا في ساحة روما.
5- اغتيل على يد قوات أوتو، الذي خلفه على العرش، بعد أن خسر دعم الحرس البريتوري.
6- قُتل بطريقة مأساوية ومهينة: بينما كان يستقل محفته في شوارع روما، اقترب منه الجنود الغاضبون، فصاح قائلاً: “إن كنتم تريدون رأسي، فها هو”، فقُطع رأسه على الفور وطيف به في الشوارع.
7- رغم نهايته العنيفة، اعتبره كثير من المؤرخين مثالاً على الصلابة والانضباط الروماني، وكان يملك قاعدة دعم قوية بين المفكرين والمحافظين، حتى وإن خانه الواقع السياسي.
8- تماثيله النصفية التي وصلتنا اليوم، خاصة تلك المعروضة في متحف اللوفر، تُظهر وجهًا متجهّمًا، جبينًا متجعدًا، وعينين تتأملان بصرامة، تعكس تمامًا شخصيته المنضبطة وغير المتساهلة.
خاتمة: جالبا بين الصرامة والدم
رغم قصر فترة حكمه، يبقى جالبا رمزًا لأحد أهم دروس التاريخ الروماني: أن الفضيلة وحدها لا تكفي لحكم إمبراطورية تُسيّرها المؤامرات والقوة. كان قائدًا عسكريًا محترفًا، صارمًا في العدالة، لكن السياسة الرومانية كانت أكثر تقلبًا من أن تستقبل إصلاحاته الجذرية.
لمزيد من المواضيع المشابهة يمكنك تصفح موقع المقتني العربي من خلال الرابط التالي: