في عالم مشغول بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-١٩) تذكرت زيارة كنت قد قمت بها منذ سنوات قليلة لبلدة ألمانية صغيرة تسمي “اوبر امر جاو” Oberammergau اذ كانت لها قصة تاريخية لها علاقة بالأمراض القاتلة..ففي عام ١٦٣٣ كان الطاعون مستفحلا في مقاطعة “بافاريا” والبلدات التابعة لها ك”اوبر امر جاو”، كان الموت في كل مكان ويحصد آلاف الأرواح كل يوم، وكانت البلدة قد فرضت عزلا تاما عن باقي المقاطعة وكانت تمنع دخول الأجانب درئا للمرض لكن في احد الأيام عاد واحد من ابناءها – وكان يعمل ببلدة قريبة – جالبا معه الطاعون، وفجأة بدأ الموت يحصد السكان حصدا وبلا رحمة واصيب السكان بالهلع..
وفي ليلة من الليالي اجتمع سكان البلدة الاصحاء داخل كنيستهم الخشبية وأمام تمثال السيد المسيح اقسموا قسما: “لو رحمنا الله من الطاعون وانقذ بلدتنا لأحتفلنا كل ١٠ سنوات بقصة آلام السيد المسيح احتفالا ليس له مثيل ويستمر طيلة أسبوع كامل.”أيامها لم يكن هناك الكثير من المتعلمين وكان العامة يعتمدون علي معرفة القصص الدينية والتاريخ الكنسي من خلال زجاج الكنائس الملون والمسرحيات الدينية، لذلك ربما يبدو هذا العهد غريبا لنا اليوم لكنه كان منطقيا جدا وقتئذ.وإذ قطعوا هذا العهد علي أنفسهم، شرعوا في الاستعداد بالفعل .. وكانت الاستعدادات تأخذ شهورا طويلة من تجهيز للممثلين وحفظ الأدوار والملابس والديكورات ومراجعة كل التفاصيل مع القس لكن المدهش انه وبحسب تاريخ البلدة المكتوب منذ ذلك اليوم لم يمت فرد واحد من الطاعون!
وهكذا وعلي مدار ال ٣٨٧ عاما الماضية، حافظت البلدة علي العهد وعرضت قصة آلام السيد المسيح بشكل مسرحي لمدة أسبوع كامل مرة كل ١٠ سنوات ويقام الاحتفال في السنوات التي تنتهي برقم صفر ك ١٨٠٠ و ١٨١٠ و ١٨٢٠ وهكذا، الا انها لم تعرض عام ١٩٢٠ بسبب الظروف الاقتصادية ولا عام ١٩٤٠ بسبب الحرب العالمية الثانية .. ومنذ ساعات قليلة قرر مجلس البلدية تأجيل عرض ٢٠٢٠ لأجل غير مسمي ..
لم يتغير العرض كثيرا منذ نشأته اذ يشترط علي كل المشتركين ان يكونوا من سكان البلدة فقط وألا يعتمدون علي الماكياج، فعلي الممثلون ان يطيلوا لحاهم قبل العرض لمدة سنة وتحاك كل الملابس والنعال بشكل يدوي وكذلك حتي وقت قريب لم يكن مسموحا للنساء في الاشتراك في العرض.علي مدار السنوات الماضية صدرت عملات تذكارية وميداليات تخلد قصة “اوبر امر جاو” نعرض بعض منها علي حضراتكم هنا الي جانب صورا للبلدة نفسها من زيارتي السابقة.
محب رزق الله