إصلاح العملة المصرية عام 1885 علامة فارقة في تاريخ مصر
الخديوي توفيق ، الإنهيار المالي ، الحرب
تدهورت الأحوال الداخلية في مصر بعد تولي الخديوي توفيق الحكم حيث كانت المشاكل المالية هي سبب انهيار مصر وأصل التدخل الأجنبي في البلاد، ومن أجل أي سيطرة فعالة على الشؤون المصرية ، كانت الخطوة الأولى والأكثر ضرورة هي إحكام قبضة الإدارة المالية. فشهد عصرالخديوي توفيق عودة نظام المراقبة الثناثية المشتركة للدائرة المالية لإنجلترا وفرنسا كما شهدت سوء في الأحوال الاقتصادية نتيجة تخصيص مبالغ لسداد الديون للأجانب.
وبدأ المراقبين الإنجليز والفرنسيين في عمل إصلاح امتد إلى ما هو أبعد من مهامهم المباشرة، وعلى الرغم من أن نشأة هذا الإصلاح كانت لأسباب “الانهيار المالي في مصر” فإن الحقيقة المطلقة كانت التغلغل بعمق في الإدارة الداخلية للبلاد وإحكام السيطرة على المسؤولين الإقليميين، مما ترتب علي ذلك إندلاع الثورة العرابية في 9 سبتمبر عام 1881 وإستعان الخديوي توفيق بالإنجليز لدعم موقفه امام أحمد عرابي، ووصل أسطول بريطاني فرنسي إلى الإسكندرية لمطالبة الحكومة المصرية بتغيير سياساتها.
أثناء تلك الفترة كان معيار العملة المصرية يقاس بكلا من الذهب والفضةو لكن مع إنخفاض قيمة الفضة عالمياً إنخفضت قيمة العملات الفضية سواء كانت المصرية أو الاجنبية، فقامت مصر بتخفيض سعر تعريفة كل من الريال المجيدي وريال ابي مدفع، وإنتشر تزييف العملة الفضية في كلا من مصر وأرجاء أخري من الدولة العثمانية، لذا ظهرت أنباء في أغسطس 1881 عن عزم الحكومة المصرية على ضرب كمية من القروش الجديدة للمحافظة علي قيمة العملة الحالية ولمحاربة التزييف.
وأنها قد فوضت الحكومة الفرنسية بسك تلك العملات وبعثت الحكومة المصرية مندوباً (مسيو موريزو) الي باريس لمباشرة ضرب النقود المصرية ولقد سافر في مساء 28 سبتمبر 1881 لمدة 25 يوما، وجمعت نظارة المالية الى الضربخانة المصرية مقدار 10 الاف جنيه من القروش المصرية التي إستجمعتها من التداول كي تبعث الى باريس على الطراز الجديد بالإضافة الي سبائك فضية بقيمة 200 الف جنيه، حيث كان من المقرر ان يتم سك تلك القطع بدرجة سمك اكبر من المقدار الذي كان متداولا واقل في القطر.
في صيف عام 1882 ، تكشفت الأحداث السياسية بوتيرة أسرع وظهر الأسطولان البريطاني والفرنسي في مياه الإسكندرية. واعتبرت هذه السفن فرصة لانجلترا وفرنسا للتدخل، وشهدت مصر حربا مع بريطانيا والتي إنتهت بهزيمة الجيش المصري بقيادة أحمد عرابي في معركة التل الكبير، وتتج عنها فرض بريطانيا سيطرتها على مصر مع تعزيز موقف الخديوي توفيق.
لذا فعلى الرغم أنه بالفعل قد بدأت الحكومة المصرية تحت المراقبة الثنائية عام 1881 في إصلاح العملة المصرية والنقود عن طريق لجنة خاصة برئاسة مصطفي فهمي الأ ان اللجنة تعطلت أعمالها نتيجة الثورة العرابية وتم حلها.
النقود المتداولة بالسوق المصري وفوضى العملات المعدنية
كانت الوحدة الحسابية الخاصة بالعملة المصرية في مصر في ذلك الوقت تقاس بالقرش، فكان الجنيه الذهبي يحتوي على 100 قرش. وعند استخدام العملات الأجنبية يتم أخذها لقيمتها بالقروش، ويتم تحديد هذه القيمة عن طريق التداول وظلت متغيرة. وعلى الرغم من ان كلا من فئات العملة المصرية الرئيسية الذهب والفضة يعتبران نقودًا مشروعة ، ولكن في واقع الأمر ، تم استخدام القليل من الفضة باستثناء القطع المستخدمة في التعاملات النقدية الصغيرة (الفكة) . وحاولت الحكومة في بعض الأحيان خلال العديد من السنوات فرض تداول الفضة من خلال دفع نسبة معينة من العملات الفضية لموظفيها ودائنيها. ومع ذلك ، لم تقابل المحاولات بالنجاح.
ونظرا للإقبال الشديد على العملات الذهبية في مصر، اضحى الجنيه الإنجليزي يشغل الجزء الأكبر من حركة النقد الذهبي في البلاد، ,وصل هذا المبلغ في جميع أنحاء البلاد مبلغًا متساويًا تقريبًا مع الجنيهات المصرية الذهبية المتداولة. كما كان هناك أيضًا كمية كبيرة من الذهب الفرنسي (بصورة نابليون الثالث) المتداولة ، ولكن أقل بكثير من القطع الإنجليزية أو المصرية، وقطع قطع الذهب من بلدان أخرى ولكن لا يتم رؤيتها في كثير من الأحيان.
وعلى الجانب الاخر إتسعت رقعة العملات الفضية المتواجدة في مصر ولجأ العديد من الأفراد على إستخدام عملات معدنية أخرى للتداول بالأسواق وذلك لنقص قيمة العملات الفضية بوجه عام بالسوق المصرية، فتم استخدام الفرنكات الفضية و 2 فرنك و 5 فرنك من فرنسا وإيطاليا واليونان إلى حد ما للمعاملات الصغيرة (الفكة).
المراقبين والمستشار المالي
ذكر اللورد الفريد ملنر – مدير المستعمرات البريطاني و سكرتير مكتب التمويل في مصر – في كتابه ” إنجلترا في مصر” “England In Egypt” فصلا عن الإصلاح النقدي في مصر حيث أسرد في كتابه الأتي:
“بدأ المراقبون بتعديل موازنة البلاد ، كان المراقبون على الطريق السريع لحكم البلاد. ولكن فشلت السيطرة من عدم وجود قوة مادية ورائها. ولم تستطع إنجلترا وفرنسا الاتفاق على الوسائل التي يجب توظيفها. لذا، تراجعت فرنسا عن العمل ، وتُركت إنجلترا وحدها لإعادة السيطرة الأوروبية على الشؤون المالية لمصر.وبعد أن أعادت تأسيسها بمفردها ، ادعت بطبيعة الحال أنها تديرها بمفردها. ولا يمكن لأحد أن يطعن في عدالة هذا المطلب ، حتى لو لم تكن هناك حجج ممتازة أخرى لاستبدال الفعل الأحادي الذهن لقوة واحدة بالاحتكاك المستمر بين اثنين [متنافسين غيورين]. وفي واقع الأمر ، احتجت فرنسا فقط ولم تحتج بشدة ، في نهاية عام 1882 ،وحثت إنجلترا الحكومة المصرية على إلغاء المراقبين واستبدالهما بـ “مستشار مالي” واحد ، الذي كان في ظل هذه الظروف إنجليزياً بشكل طبيعي.”
كان المستشار المالي هو حجر الزاوية للتأثير الإنجليزي داخل الإدارة المصرية حيث تم تحديد وظائفه بشكل تدريجي ، وسرعان ما اكتسب سلطة معترف بها بشكل عام وواسعة للغاية. تم الاتفاق في البداية على أنه ليس مسؤولاً تنفيذياً ، ولكن من ناحية أخرى ، كان على جميع المسؤولين التنفيذيين تزويده بأي معلومات قد يطلبها. وفي مرحلة لاحقة ، عندما أثيرت بعض المناقشات حول مقدار الاهتمام الذي أولاه لتوصيات المستشار المالي ، أوضحت الحكومة الإنجليزية أنه “لا ينبغي اتخاذ أي قرار مالي دون موافقته” ، وهذا التفسير لم يكن أبدًا موضعاً للمناقشة مع الحكومة المصرية. لكن بالنظر إلى أن أهم أعمال الحكومة تنطوي على بعض المسائل المالية ، فإن موقف الرجل الذي لديه حق النقض على أي إجراء مالي هو تقريبًا الذي كان لديه حق النقض على كل شيء ؛ والرجل الذي لديه حق النقض في كل شيء هو سيد الموقف.
وكان السير أوكلاند كولفين Auckland Colvin هو أول شاغل لمكتب المستشار المالي والذي كان في السابق أحد المراقبيْن, وتولى هذا المنصب لمدة عاماً واحداً وعندما أصبح اللورد كرومر وكيلًا بريطانيًا في مصر ، خلفه كولفين كعضو مالي في مجلس نائب الملك في الهند في أغسطس 1883.
إستمر تزييف العملة في مصر بشكل أكبر في تلك المرحلة ولم يعد يمر يوما إلا ان يتم إكتشاف حالة للعملات التي تم تزيفها وتم شن حملات من قبل الشرطة لمداهمة محلات الصيارفة وتدهورت الأوضاع بشكل أكبر وبناء على تلك الحالات المتكررة من الغش أصدر الخديوي توفيق إعلان بترتيب المحاكم الأهلية في 14 يونيو 1883.
ادجار فينسنت
خلف السير أوكلاند كولفين في منصبه السير إدجار فينسينت ذو الستة وعشرين عامًا فقط وقت تعيينه في نوفمبر 1883 ، والذي لم يكن رجلاً قوياً فحسب ، بل كان دائمًا شخصًا ذو ميول قيادية ، متشجعًا بالنجاح ، قاده دائمًا إلى لعب مباراة إلى الأمام بشكل حازم. ,كان بحاجة إلى كل صفاته ، لأن المهمة التي أمامه كانت صعبة للغاية. إذا كان من المقرر أن تتحسن مصر بشكل دائم ,لم يهز فينسنت أبدًا أي خوف من عدم الشعبية في اقتناعه بأولوية المالية على جميع الاعتبارات الأخرى وكان من حسن حظ المستشار المالي أنه كان يمتلك سحرًا ودقة خففت قدر الإمكان من القسوة الحتمية لمثل هذه السياسات.
ذكر اللورد ملنر في كتابه ان فينسينت يعد احد الرجال الذين تحملوا عبء وحرارة تلك الأيام الأولى من الإجهاد ، والذين يستحقون الفضل الرئيسي للنجاح النهائي غير المتوقع للتجربه الإنجليزية غير الواعدة في الحكومة المدنية في مصر. أقنع فينسينت الخديوي توفيق بإدراج باب منفصل خاص بالمسكوكات والزيوف المزورة (الباب الخامس عشر) في قانون عقوبات مصري والذي تم الإعلان عنه في 13 نوفمبر 1883. وتضمن ذكر عدد من المواد التي تجرم تزييف العملة.
في غضون ذلك، تسلح فينسنت بأداة هائلة للتحقق من النفقات التعسفية ، من قبل مؤسسة اللجنة المالية. هذه اللجنة ، التي ظهرت إلى حيز الوجود في وقت مبكر من عام 1884 ، تألفت من وزير المالية ، اثنان من الإنجليز (فينسينت والسير جيرالد فيتزجيرالد) ؛ نمساوي واحد ، هو بلوم باشا ، الذي كان في ذلك الوقت وكيل وزارة الخارجية للشؤون الخارجية ؛ وفرنسي واحد (مسيو مازوك).
حرب السودان وإرتباك الأوضاع
ولما كانت مصر تسير على نظام المعدنين كما تم توضيحة في الأمر العالي الصادر في عام 1883 الاانه لوحظ تدهور سريع في إسعار الفضة في اعوام 1884 و 1885، حيث إنشغلت كلا من مصر بحروبهما في السودان مع بدايات عام 1884 (راجع موضوع نقود حصار الخرطوم) الأمر الذي أعاق مسيرة الإصلاح النقدي، كما برزت اختلاف جذري في وجهات النظر بين فنسنت ونوبار باشا حول السؤال الرئيسي للسياسة المالية التي كانت تواجه مصر في ذلك الوقت.
على الجانب الأخر سمحت الحكومة البريطانية لمصر بقرض قيمته 5 مليون جنيه إستيرليني لتحسين الوصع المالي من خطر الإفلاس، وسُمح لمصر بتخفيض طفيف في الفائدة على ديونها لمدة عامين ، ولكن إذا لم تتمكن في نهاية ذلك الوقت من استئناف السداد بالكامل ، فسيكون هناك لجنة دولية أخرى. ومع انتهاء الحرب في السودان تفاقمت الأضرار على التجار بالأسواق بشكل أكبر حيث إزداد تغير اسعار اقطع الفضية بشكل كبير.
أستمر تدهور النقد في مصر ,إرتفعت أسعار السندات والدين العان ,شهدت العملا تلامصرية إنخفاض أكبر في قيمة العملة المعدنية مما أفسح المجال بشكل اكبر لطغيان الجنية الإنجليزي والعملات الأجنبية الأخرى، وبذلك أصبحت مصر في حاجة ماسة الي إيجاد نظام للنقود المصرية يؤسس على وحدة للنقد مع سك نقود مساعدة تحل محل العملات الأجنبية.
توحيد المعاملة النقدية
أُعيد تشكيل لجنة من الحكومة وذلك لفحص اصناف العملة المصرية المتداولة في 7 أغسطس 1884 وتشكلت اللجنة من الستشار المالي البريطاني (إدجار فنسنت ) وعضوية قاضي أفندي وشيخ الإسلام ووكيل المالية وناظر الضربخانة ووكيل أدارة عموم الجمارك ومدير بنك الكريدي بالأسكندرية.
إستعانت اللجنة بمديري دور السك في لندن وباريس وفينا وألمانيا وأخيرا تقدمت بعد عام من البحث، وفي أغسطس عام 1885 رفعت اللجنة تقريرها الي ناظر المالية نوبار باشا وأظهرت في التقرير حصر جميع الفئات المتداولة من العملة المصرية الفضية في مصر منذ عهد محمد علي باشا حتى وقتها ، فقد ظهر ان الريال الباريزي بلغت قيمة ماتم ضربة نحو 52 مليون قرشا وقيمة ما ضرب من الريال المصري نحو 7 ملايين ومن القرش صاغ نحو 40 مليونا.
أقترح اللجنة تحويل النظام النقدي المصري الي المعدن الفردي الذهبي بدلا من الفضة والذهب معا وسك عملات معدنية جديدة علي نسق وتصميم جديد، كما ذكرت انه بوجوب مشتري العملة الفضية التي يتداولها العموم الان والتي تبلغ 2و5 مليون جنيه منها ماهو خاص بالعملة المصرية وقيمته نحو 2 مليون والباقي عملة أجنبية، ان يحدد ميعاد بعد ذلك اذا انقضى أمتنع التعامل بالفضة الأجنبية وإنحصر في مثلها من ضرب مصر على النسق الجديد، وبأن يكون توحيد العملة المصرية على أساس الجنيه المصري ولا على القرش صاغ.
ان تضرب كمية من الريال الجديد والذي قيمته 20 قرشاً ويجيز منه أنصاف وارباع وكذا القرش الصاغ مع القرشين. مع ضرب كمية قليلة من العملة النحاسية وكثير من النيكل لأنه أثبت، وأن لايقبل من العملة الأجنبية سوى الجنيه الإنجليزي والفنتي الفرنسي وكسورهما ذهبا.
عملات مصر الجديدة وقرارات مالية حاسمة
وافقت نظارة المالية ومجلس النظار على مقترح اللجنة المالية وتم رفعة الى الخديوي توفيق للموافقة عليه، وفي 13 نوفمبر من عام 1885 أصدر الخديوي توفيق أمراً بإضافة قطعة رسمية من فئة عشرة أعشار القرش من النيكل الى العملة المصرية.
وفي السادس عشر من نوفمبر عام 1885 أعلن الخديوي ونظارة المالية في الجرائد الرسمية أمر عال (ديكريتو 14 نوفمبر 1885) من الخديوي توفيق يعتبر احد أهم قرارات النقد المصرية في العصر الحديث وذلك بتعديل قانون النقد المصري بأن تكون وحدة العملة المصرية بالجنيه المصري وهو يقسم الي مائة قرش وينقسم القرش الى عشرة أعشار، وتكون هذا الأمر من 19 مادة تضمنت ذكر العملات الرسمية المصرية لكل من الذهب والفضة والنيكل والبرونز مع تحديد أوزان وعيار كل من العملات الفضية والذهبية بدقة.
وتقرر ان تنقش على جميع أنواع العملة المصرية الطغراء السلطانية وسنة جلوس السلطان والسنين التي مضت منذ عهد تولية وجملة (ضرب في مصر) وقيمة القطعة، وتقرر تقنين كميات سك العملة المصرية الفضية بحيث ان لايتجاوز معظمه الأربعين قرشا عن كل واحد من السكان ومايصير أصداره من نقود النيكل والبرونز لايتجاوز معظمه الثمانية قروش عن كل واحد من السكان.
وتم إتاحة إستخدام العملات الفضية المصرية السابقة وقبولها حسب تعريفة رسمية تضعها الحكومة وحسب نسب مقررة، وتم تعيين ميعاد نهائي خلال سنة واحدة بسحب تلك العملات من التداول الرسمي وتم إجازة إستبدالها بالذهب في صناديق خاصة.
تم ضرب القطع الفضية الجديدة في دار السك في برلين وبدأ وصول أول دفعات من تلك النقود في 2 مارس عام 1886 حيث وصل مايعادل 160 ألف جنيها، وصلت في 103 صندوقا مع الباخرة الأيطالية “أنديا” الي ميناء الأسكندرية تحمل جزء من فئات العملة المصرية الجديدة من الريال, وأحتفظت الجمارك 33 صندوقا وراسلت الباقي الي نظارة المالية في القاهرة.
تم طرح النقود للتعامل في اليوم التالي 3-3-1886 ثم تم وصول عدد 105 صندوق بما يعادل 66 ألف جنية في 28 مايو 1886 من العملة المصرية من فئات الريال ونصف الريال وربع الريال وقطع القرشين والقرش. وفي الثامن عشر منيونيو عام 1886 وصل عدد 110 صندوق من العملة المصرية الجديدة من فئات 4 بارة و 8 بارة و 20 بارة من النيكل.
ملحوظة: سوف يتم ذكر باقي تفاصيل عملات السك في العدد العشرون من المقتني العربي
الضربخانة وإستكمال الإصلاح النقدي
مع بداية شهر رمضان عام 1303 هـ (يونيو 1886) تأخر وصول قطع العملة المصرية الصغيرة حيث لم يصل عدد كافي من فئة القرشين والقرش، وبدأت الحاجة الماسة للقطع النقدية الصغيرة من الفكة في التعاملات، لذا بدأ العامة في التحدث عن إيجاد طريقة لتوفيرها حتى جذب الأمر إنتباه نظارة المالية والتي قررت أن تفتح الضربخانة يوم الخميس 24 يونيو 1886 وذلك لضرب اعملة الجديدة من القرش والقرشين (طبقا لجريدة الأهرام العدد 2550).
وفي الثاني من أغسطس عام 1886 أصدر مجلس النظار قرار بإبطال التعامل بقطعة العشرة بارات والعشرين بارة من العملة المصرية الفضيةوإستبدالهما بالعملة الفضية والذهبية الجديدة (تم مد هذا القرار لاحقا حتى 21 يوليو 1887)، وبتنقيص قيمة الشلن الإنجليزي والفرنك الفرنسي إعتبارا من 1 يونيو 1887. وترويجا للعملات الفضية الجديدة تم صرف وإستبدال النقود الذهبية للتجار والمزارعين بالفضية الجديدة.
وفي 18 فبراير عام 1887قررت الحكومة ان يضرب مقدار عشرون الف كيلو نيكل من قطع خمسة أعشار القرش، وعلى الرغم ان قرار إضافة قطعة عشرة أعشار القرش في قانون العملة المصرية قد تم في عام 1885 الا أنه قد تم تنفيذ القرار في 15 نوفمبر 1887، حيث إتمدت نظارة المالية على وجود قطع القرش صاغ من الفضة ولكنها لم تكن كافية.
رحيل فينسيت
خلال السنوات الست لإدارة فينسنت، غرس فيهم بذرة الإصلاح النقدي والتي أثمرت ونمت بكشل كبير. كان فينسنت هو صاحب هذا الاقتراح الذي أصلح النظام النقدي الخاص بالعملة المصرية واستبدل عملة بسيطة ومريحة بفوضى العملات المعدنية لجميع المعادن وجميع البلدان التي كانت متداولة في مصر، والتي كانت تسبب الكثير من الارتباك وتشكل عائقًا كبيرًا أمام التجارة.
وكان فينسنت هو أول من بدأ بتحسين أيرادات مصر عن طريق فرض رسوما على التبغ، ومن خلال التفاوض بشأن المعاهدة التجارية مع اليونان، وعلى الرغم من عدم التوافق بينه وبين نوبار باشا ناظر المالية في ذلك الوقت فإن فينسنت سيظل دائمًا في الذاكرة باعتباره الأكثر موهبة وواحدًا من أكثر من الرجال نشاطًا ، الذين أنقذوا الموارد المالية في مصر.
كان يعتقد فينسنت أنه يمكن تجنب ذلك ، وأن مصر كانت قادرة على الأساس الجديد على دفع قيمة ديونها، والقيام بذلك ، ليس فقط لبضع سنوات ، ولكن إلى الأبد. اللحظة التي كانت فيها مصر لا تزال تعاني من الآثار المتراكمة لسلسلة كاملة من الكوارث – التمرد ، وتدمير الإسكندرية ، والكوليرا ، وفقدان السودان. ولكنه كان يؤمن بانه يمكن لمصر أن تتحمل حتى الكثير من المصاعب ، في ذلك الوقت ، من أجل تحقيق الهدف الأكبر المتمثل في الحل الدائم للمشكلة المالية. وهكذا شرع فينسنت في العمل بطريقة انتقامية ، ونجح في تكوين نظاما من أكثر النظم الاقتصادية جمودًا في استئناف سداد الفائدة بالكامل.
غادر السير إدغار فينسنت مصر في صيف عام 1889 بأمر من مدير المستعمرات الانجليزية ليتوجه الى الهند، وخلفه في منصبه السير ألوين بالمر والذي تولي منصب أول محافظ للبنك الاهلي المصري. فلولا ان غدر فينسينت فربما شهدنا توقيعه على أول بنكنوت مصري.
المصادر
إنجلترا في مصر England In Egypt – اللورد ألفريد ملنر – مدير المستعمرات البريطاني و سكرتير مكتب التمويل في مصر.
أعداد متفرقة من جريدة الأهرام المصرية
تشريعات النقد العربي – مصر – المقتني العربي
Annual report of the Director of the Mint
The Annual Report the deputy master of the Mint
الأرشيف البريطاني – The National Archive
النقود العربية ماضيها وحاضرها – الدكتور عبدالرحمن فهمي محمد (15 فبراير 1964)
النقود – حسين عبدالرحمن